
*ملاحظة قبل أن تبدأ بالقراءة: هذه القصة القصيرة حصلت على المركز الأول في وزارة التربية والتعليم (مكتب البديعة)، وحصلت على المركز الثالث على مستوى مدينة الرياض.
لطالما كنت متشوقة للإجتماعات.. للحفلات، متشوقة لردود فعل الجميع وقت التوديع، أترقب يوم الختام كراغب وكاره في آنٍ واحد، لكن.. لا يعلم أحد قدر القلق الذي يصيبني حول هذا الأمر، أخاف كثيراً.. الاختلاط بشكل كبير بالناس.. الإندماج الشديد القوي، الزيارات المتكررة واللقاءات اليومية.. هذا ثقيل عليّ، يوترني بشدة، دائماً.. قبل ليلة الوعد.. أمضي الساعات بتحليل وتوقع الأحداث ومحاولة صنع رد فعل مناسب، أتدرب على الضحك، أحاول جمع بعض النكات المناسبة، أقوم بكتابة رسائل ورقية أو ما شابهها، أستيقظ قبل موعد الحفل بساعتين.. أحاول جاهدةً ألا أرتدي شيئًا رسمياً وبالمقابل أن أكون مهندمةً وجميلة المظهر، أحرص على أن أضع تسريحة شعر ناعمةً ولطيفة، عندما أنتهي أقف أمام المرآة لأعيد على نفسي المشاهد والمواقف التي توقعتها البارحة، .. كل شيء مثالي الآن! سأبلي حسناً! لا تقلقي يمكننك ذلك!
وقفت أمام قاعة الحفل.. ودعت أبي وولجت للمدخل الرئيس.. جميع الحضور كانوا رائعين! عليّ أن أخلع عبائتي وأبحث عن رفاقي، سلمت على من سلمت في طريقي.. لمعت طاولة رفيقاتي.. وقفت على رؤوسهم وألقيت السلام.. كان دخولاً عادياً وغير ممتع! نسيت أن أتدرب عليه..
لا أعلم هل كنت شفافةً أم أن لا أحد يكترث لوجودي هاهنا، لا بأس.. يمكنني إشغال نفسي بأي شيء حتى تبدأ فقرات الحفل، .. بصورة غريبة تأخرت بداية الحفل ساعتين تقريباً.. ولا يمكنني وصف الملل الذي أصابني حينئذ، ليس مللاً.. لكن.. لا أعلم! أردت أن يبدأني أحدٌ بالحديث أو أن يأخذني أحدهم في جولة في القاعة! أعلم أنني متطلبة كثيراً.. لكنني شعرت بالوحدة حقاً، رفاقي لم يعودوا رفاقي، أصاب ملامحي الذبول.. وخفت ضوء وجهي وعيناي..، كنت أخشى أن يراني أحدٌ بهذا الوضع السيء.. شعرت بالضعف حقاً.. كنت كمن أرغمت على الحضور.. مع أنني حرصت على أن أخذ قسطاً كافياً من النوم.. مع ذلك ذبلت عيناي وأخذ النعاس من وجهي ما أخذ، أردت أن أسعف موقفي.. إلتفت لمن كانت تجلس بجواري.. لا أعرف أسمها لكنني رأيتها كثيراً ويبدو أنها صديقة لأصدقائي، تجاذبنا أطراف الحديث وتململنا وشكونا من التأخير في بدء الحفل.. فعلنا كل شيء يمكن أن يفعل مع رفاق الرفاق، تباً عدت مجدداً لموقفي الضعيف، صدقاً لا أعرف ماذا عليّ أن أفعل، تمنيت أنني لم آتي..
بدأت فقرات الحفل المقيت وأخذت الفقرات بالتوالي واحدةً تلو الأخرى..، حسنٌ لأعرفكم على شخصيتي التي أظنني أعرفها.. أنا من النوع النشيط، أو المتفاعل والضحوك، لم أكن يوماً من ذوات الطبع الهادئ، كنت مشاغبة جداً في أيام المدرسة! أحب أن تكون لدي الكثير من العلاقات أو ما شابه، وأن أكون صديقةً للجميع، تعرف؟ ذلك الحلم المضحك في الإبتدائية.. "سأحصل على ١٠٠ صديق"؟ تمنيته أيضاً..
وبما أن شخصيتي كانت من هذا النوع فإنني كثيرة التعقيب على ما يحصل أمامي.. أردت حقاً أن ألتفت لصديقتي وأعقب على الفقرة المنصرمة.. أردت ذلك حقاً.. لكنني كنت في أخر الطاولة بعيداً عنها، ولأنني لا أستطيع التوقف عن التعليق فإنني كنت أعلق بملامحي.. عندما يعجبني شيءٌ فإنني أبتسم كالطفل يلتقط حلوى من بائع!، وإن أضحكني شيءٌ هززت كتفاي وضحكت ضحكةً صامتة..، وإن ساءني شيءٌ عبّستُ بوجهي وصرفت عيناي،.. حسناً.. أردت أن يلتفت أحدٌ لمشاعري المتسربة من وجهي،.. كنت أكذب.. لا يهمني أن أعلق أو لا.. أردت أن أتحدث مع أحد.
فجأة وبدون مقدمات انتقلن صديقاتي لطاولة بعيدة.. لم تدعني إحداهن.. شعرت بأنني حقاً لست موجودة وربما أنا في حلم! بعد انتقالهن بوقت.. أتتني إحداهن وقالت "نسيت أنكِ هنا اليوم" شكراً لله.. يدفعني لظروفٍ كهذه حتى أعتمد عليّ فقط! كان يجب عليّ أن أحمل نفسي لا أن أنتظر أحداً ليجبرني بكلمة!..، نظرت لها بعين العتب ورفعت من حاجبي مستنكرة! لم أستطع أن أقول حرفاً.. خوّلَ إليّ أنني بكماء.. لابد أن البكم يعانون في الحياة كثيراً.. أحبكم جميعاً..
بعد إنتهاء أخر فقرات الحفل هرعت للمشرفة على قسمي وطلبت منها الإذن للإنصراف، أذنت لي.. وأنتظرت قريب الساعة على أحر من الجمر، كلما قابلتهم إنصرفوا وكلما وقفت مع أحدٍ أخر لم أنبس ببنت شفة، كنت أجامل كثيراً، تعبت حقاً، كنت أترقب اتصال أبي، بصورة تستدعي الشفقة.. كنت أنزوي في المقاعد الجانبية وبكل ضعفٍ أرثي حالي، أنا حقاً أكره نفسي، لا أعرف كيف أتصرف! أشعر بالاختناق.. من كذب عليّ وقال بأنني إجتماعية؟ أكره الحفلات!
كنت أتخبط في كل الممرات وبين الطاولات وعند المرايا..، أكره هذه الصفة فيّ، عندما وصل أبي خرجت سريعاً وبلا أي تردد.. لم أكلف نفسي عناء توديعهم! لمَ عليّ أن أودعهم بالأصل؟! "لم يعرفوا بأنني هنا اليوم..!".
سألني أبي عن كيف كان الحفل وما إلى ذلك.. لم أرد حقاً إقلاقه ولا أن أثقل كاهله بهمومي.. لكنني لم أسطع! أخبرته بكل شيء، بداية من الشعور الخانق ونهايةً بشدة ضعفي وقلة معرفتي وخوفي، بكل شيء.. أخبرته بأنني ظننت أنني صديقتهم المقربة، بأنهم يحبونني كما أفعل، ظننت يا أبي كثيراً.. لكن كثيرٌ من الظن إثم! شعرت بالإحباط الشديد حقاً.. كدتُ أهزم أمام نفسي!
واساني أبي وأخبرني بأنه شيء عادي.. والجميع يمر بهذه الحالة، وليس مطلوباً منك أن تنخرطي وتندمجي مع الجميع، لا يمكنكِ إجبار نفسكِ على أن تصبحي إجتماعية أو صديقة الجميع أو ما شابه، عندما تكبرين.. ستعلمين أن هذا لا يستدعي أبداً غضبك العارم تجاه نفسك، يوماً بعد يوم.. ستعلمين يا ابنتي أن الصداقات وإن توطدت واشتدت.. على الشخص أن يكون مستقلاً، وخذي بالإعتبار أن لديك العديد من الأصدقاء خارج ذاك المكان! كم سنة أمضيتي مع صديقاتك أولئك؟ الكثير من السنين! لا يمكن أن تقارني قوة علاقاتك هنا وهناك.. فكري جيداً بالأمر!، وأنتِ لستِ فاشلة في صنع العلاقات.. أنتِ فقط متعبة ولديك الكثير لتفكري بشأنه، أنتِ رائعة جداً أكثر منهن.
صدقاً.. كنت سأدخل دوامة لولا الله ثم إنقاذ أبي لي.. كنت سأنطوي كالعادة على نفسي، وربما سأحطم هاتفي أو شيء من هذا القبيل، ربما كنت سأنام طوال ما تبقى من الصيفية..، ممتنة لوالدي على الإنقاذ..
حالياً سأعود لأكتشف نفسي مجدداً.. فعلى ما يبدو بأنها تغيرت وعليّ أن أرحب بعاداتي وصفاتي الجديدة.. وأن أنسج شخصيةً قوية لا تتحطم عند أول موجٍ في بحر المجتمع.
بعد الحفل بساعة.. بعثن لي
-"أين ذهبتي! بحثنا عنك كثيراً!"
-"كان عليك أن تخبرينا! لم نودعكِ".. أشعر بأنني أسأت الظن بهن.. لكن.. كان عليّ أن أحمل نفسي بنفسي.. ألا أكون أنانية متطلبة.
لكل من قال بأنني قوية وبأنني شخصية إجتماعية جيدة.. أرجو ألا تثقلوا كاهلي بثنائكم على خفايا شخصيتي، أرجو أنني لم أخيب ظنك.. سعيدة بأنك صديقي البعيد.. سعيدة بأننا نتقابل في نص كهذا.. أرجو أن أصبح صديقتك يوماً ما..
*ملاحظة: بعد وقت ليس بكثير.. أيقنت أنهن حق الصديقات، وهذا الموقف لا يمكن أن يشوه صورهن.. لكن كتبته مجازاً... تحرزاً من الوقوع في أشباهه.
٨:٠٨ ص
لُبنى
شكراً للقرءاة، ما تعليقك على ما كُتب؟
ردحذفرائع رائع جداً، ولا اظن ان بعض الكلمات تكفي بالثناء على ماكتبتِ
ردحذفرائعه يا لبنى
ردحذفجميله جداً
ردحذفكأني اقرأها لأول مره ، اتمنى لك التوفيق في جميع حياتك واختباراتك ايضا .
ردحذف