بداية المُنتهى التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

عرض المشاركات من أغسطس, ٢٠٢٢

البيت

أحب البيت، ويعجبني نص خالد أحمد توفيق عندما قال: "أحب فكرة البيت"، وتدفئوني فكرة امتلاك مساحة خاصة، مليئة بالأحباب، وأحب أن لي شيئاً في الأرض أعود له بظهرٍ منحنٍ وكتفٍ منهك كل مساء فينسيني كل همومي عند أول خطوة على أعتابه.. أحب كيف نمضي ليالي الشتاء متحلقين حول موقد النار، نرتدي ملابس ثقيلة بألوان داكنة دافئة، بالكاد تبزغ وجوهنا خلالها، أحب عندما نضع إبريق الحليب بجوار الحطب ليبقى دافئاً، بينما نغمس الشابورة في كؤوسنا المملوؤة به، نسابق بالشابورة أفواهنا خشية أن تنكسر، فنسبقها مراتٍ وتسبقنا. أحب كيف يعج البيت بالضجيج أثناء تحضير مائدة الطعام، أو قبل الخروج لأي مناسبة أو موعد، أحب كيف تتحول السلالم لطريقٍ سريعٍ مزدحمٍ بالأرجل، التوقف فيه مستحيل وقد يودي بحياتك وحياة الآخرين، أحب اللحظات التي نستعير فيها أدوات بعضنا لإكمال زينتنا قبيل الخروج، وكيف نحشو حاجاتنا مع صاحب الحقيبة الأكبر. أحب النهارات الصيفية في البيت، تلك الأيام التي تمتلئ فيها ثلاجة البيت بأنواع المثلجات، ونرتدي فيها أخف الثياب وأزهاها لوناً، ونخرج سوياً للشاطئ أو للمنتجعات، ونلتحق بأحد المراكز أو النوادي الصيفية

هل ستختار الحياة؟

إنه مساء الجمعة، حيث من المعتاد أن نقضي ظهيرته متحلقين في مجلس البيت نشرب القهوة ونتناول الحلويات المتوفرة حينئذ، إذ لم نتعمد يوماً صنع حلويات خاصة لهذا اليوم، عدا مرة اشتهيت فيها تقديم السينابون فخبزته. وبعد صلاة العصر وبعد الفراغ من تناول الغداء يسمح بالانفضاض.. لحاجة كلٍ منَّا لخلوته والدعاء أو لقضاء بعض الواجبات المؤجلة. على كلٍ.. هذا المساء لم يكن كأي مساء جمعة، فوالداي وأخواي الاثنان بالخارج، بينما تنهي أمي بعض الأعمال في حجرتها، فأمضينا أنا وإخوتي الصغار ذاك المساء لوحدنا في المجلس ينشغل كل واحدٍ في شؤونه، لذا لم أجد حرجاً من الانزواء في حجرتي لكتابة مقالٍ حول الرواية التي أنهيت قراءتها فجر اليوم. رواية "فتاة البرتقال" قد يضحك البعض من اختياري لكتابة مقالٍ حول هذه الرواية إذ أنني عنونت مجموعتي القصصية بنوعٍ آخر من الحمضيات (الليمون)، لكنها محض مصادفة، فلقد اشتريت الرواية قبل ما يقارب ثلاث سنوات، لكنني لم أشرع في قراءتها إلا قبل أسابيع، ثم توقفت وعاودت القراءة ليلة البارحة. لم يكن في الرواية نقاط جذبٍ واضحة، لكنها كانت ممتعة، ودافئة وصادقة، كان فيها الكثير من البرتقال،

وادي السكون

في بلدة ما.. في وادي من أودية منطقة ساحلية بعيدة عُرفت هنالك عائلةٌ باسم عائلة السكون؛ إذ أن العائلة جلُّها من الصمّ، أصمٌّ يلدُ أصماً، شعرت العائلة بالنبذ والوحدة بين العوائل الأخرى، إذ كان الجميع لا يجدون طريقةً يتواصلون بها معهم، بل كانوا يتحاشون البيع والشراء معهم إذ لا يفهمونهم ولا يجدون حاجةً لذلك. شعرت عائلة السكون بأن الوقت قد حان لينتقلوا لمنطقةٍ أخرى ليعشيوا فيها وحدهم بدون أي ضغط أو شعور بالضعف والنقص. لاحقاً عُرفت منطقتهم الجديدة باسم قرية السكون. وفي إحدى الأيام الصيفية.. أحدُ أولادهم صعد لجبلٍ قريب ليستكشف المنطقة لكنه تعثر وسقط على رأسه وأصيب. مكث طريح الفراش لأيام، وبعد أن استيقظ وجد نفسه يسمع! سمع صوت الأقدام في الغرفة المجاورة، وصوت الأطباق في المطبخ، سمع صوت الأطفال يصيحون في أقصى البيت! قفز من مكانه وأخذ يضرب رأسه بيده قلقاً وخوفاً من هذه الأصوات غير المفهومة بالنسبة له! لم يكن يعرف ماذا تعني كل هذه الضجة، وليس يفهم كيف صارت تدخل لرأسه فجأة بعد أن استيقظ! رويداً رويداً أخذ يعتادها ويتحمس لاستكشاف أصواتٍ متخلفة فأمضى فترةً يركض لكل مكان ويتعرف على الأصوات الجديدة وي

كتف

اليوم يصعب على صدره أن يسع الهواء، يفتح فمه بوسعه مستجدياً نسمة هواء توَّسع رئته، يغلق فمه خائباً بأنصاف نسمات، يقف مستعيناً بالمعين ويجرّ قدميه بثقل نحو سريره، يجلس، ويتمدد على ظهره مريحاً إياه، لكن لا يرتاح ظهره، ولا يقع من على كتفيه شيء، إذ ليس للجاذبية سلطة على الهموم، فتثبت على كتفيه كأنما تعض الأثقال بنواجذها عليهما، تذكّره باستحالة الراحة ثانية بعد ثانية، لا هدوء، ولا نوم هانئ. يغمض عينيه وترتجف جفونه؛ رافضةً الإطباق، ينام لكن لا ينام. يستيقظ في الغد متنهداً، هو الوحيد الذي يتنهد فور استيقاظه، بينما يتثاءب كل البشر. يخرج لعمله، ويلقي بجسده على كرسيه كرئيس، هو الذي لا يعرف للتباهي ولا للغرور طريقاً ولا يمشي بين الناس فرحاً رافعاً أنفه مغروراً بمنصبه، حتى إذا سأله أحدٌ خارج عمله عن وظيفته، يقول: مدرس، يعلل ذلك لي بقوله: أنا أدرس الموظفين وأعلمهم شغلهم. يتوافد عليه في عمله الجديد عشرات المراجعين يومياً، كلُّهم تملأ أفواههم الكلمات، تفور دماؤهم، يسمع لكل هؤلاء ويسعى في كل حلٍ يراه وجيهاً لمشكلاتهم، حتى أنه ينسى أن يتناول قهوته الصباحية، إذ لم يكن يهتم كثيراً بأمر الإفطار، وكل متعته