نسيان

فقدت شيئاً... شيئاً لا أعرفه.. لكنه يعرفني، شيئاً مهماً جداً ولا يحتمل ولا يتوقع نسيانه! لكنني نسيته!، فقدت شيئاً أحبه! أراعيه وأداريه وأمضي أيامي ساهراً لأحاكيهِ.. فقدته!
وفقدانه يشعرني بفراغ.. فراغٍ يقتلني!.. يغتال عقرب ساعتي، يعصف بقلبي! ويجوب بي أرجاء العالم ويعيدني لكرسيّ مكتبي!، أشعر به يخنقني، ويبعثر كتبي ويمزق دفاتري، أشعر به يحبسني في منارة الميناء في ليلة ظلماء والحارس قد أُذن له بإجازة!
فقدته بالرغم من الوعود، فقدته على كل المواثيق والعهود، فقدته رغم أنف السلاسل والقيود، فقدته فوق كل القوانين والقيم والمعادلات، فقدته ككيميائي فقد محاليله وعجز عن إيجاد عنصره الثابت!، فقدته وليت أن بيدي حيلة.. ألم يكن هذا حال كل شخص يفقد شيئاً؟ ألا يقف الفاقد في الرمضاء بلا ستار ولا مظلة ولا مهفة هواء، يطالع السحب .. وليس هناك سحب، يطالع الأنهار وكأن هنالك أنهار، يطالع المارة والكل في بيته تحت أسقف وتحيطهم جدارن، يطالع شجرة الليمون.. وكأن هنالك ليمون، يتطلع للفيافي وكأن الفيافي موجودة وكأن الأرض غير قفار، يتطلع في كل ذلك، ينظر فقط، لا يتوقع شيئاً، ينظر بمخيلته.. عسى أن تشفق عليه وتعيد ذكراه، تتوالى الفصول، وتمضي الأيام، ويولد طفل ويموت شيخ، وهو واقفٌ في كل الأزمان، يتذكر.. يحاول أن يتذكر، يرجو طيفاً.. يرجو عطراً.. يرجو صوتاً أو ضربة فنجان!، كان ينتظر ذاكرته أن تتحدث.. أن تدله على ما فقد.. أن ترمي بطرف الخيط عليه، يتمنى لو يتذكر..، مضى على انتظاره عقود وتيبست قدماه وصارت تُنثر على رأسه بتلات الورود، مضت الأيام وعبرت طفلة.. سألت أمها "ما ذاك؟" فاستعجلت الأم الخطى وأجابت بجمود "عاقبة النسيان يا بنتي! لن يستعاد شيء في ركود".

الجمعة ٨:١٨ ص
8 شوال 1439 / 22 يونيو 2018