هذه التدوينة ضمن تحدي نافذة المدونات فرع المستقبل
فكرت بالكتابة عن المستقبل.. لكنني وقفت أمام الواقع أتأملني ما هو المستقبل المزعوم يا لبنى؟ ماذا يعني لكِ؟ تبدو كلمة المستقبل طويلة صعبة الكتابة، سنن حرف السين تصعّب عليك الأمر، قد تزيد سِنّة وقد تنقص.. لا أحبذ كتابة الكلمات الطويلة التي تحتوي على حرف السين في وسطها، رغم عشوائية خطي.. إلا أني أكره أن أغدو غبية جداً عندما أخطئ في الكتابة..
تعرفون؟ حتى كلمة "جداً" بدأت أنزعج منها هي الأخرى، تبدو ككلمة للمترفين، المتباهين بالكثرة، المهووسين بجمع التحف والتكاثر في الأموال والأشياء، أنا استعمل هذه الكلمة لكن.. مؤخراً بدأ جلدي يحكني منها، فصرت عندما أكتب وأحتاج أن أصف كثرة أو عمق شيء أكتب "جداً" تلقائياً، لأتوقف بعد ذلك وامحو "جداً" واضعة مكانها أي مرادفة لها، أي مرادفة! لا يهم إن لم تكن ملائمة للموصوف.. المهم أن أقشع غمام "جداً" عن سمائي!...
"منذ متى صرت قاسية مع الكلمات هكذا؟" فكرت البارحة بهذا.. أربما يكون هذا تفريغ غضبي المكبوت؟ الكلمات لن تتذكر غضبي، ستعود من فورها عندما أكبس على أزرار أحرفها، أسيعود الأصدقاء عندما نكتب أسماؤهم؟... "أصدقاء".. هذه الكلمة أيضاً أود لو انفيها من كل المعاجم.. لكن ماذا علي إن كانت شقاً من فؤادي يا صديق؟
أتنهد تنهيدة طويلة الآن.. أقلّب قائمة الصوتيات على ساوند كلاود.. أتساءل لو أجد في هذه الدقيقة مقطعاً يدهشني؟.. لا شيء هنا يا ساوند كلاود.. لا صوت يشبهه.. من هو؟ عمن أسأل هنا؟.. لا أعرف، هذه الحالة.. تقرفني..
يبدو أنني ابتعدت كثيراً عن محور حديثي.. المستقبل.. أجل المستقبل..
ما هو المستقبل؟ قبل عدة أيام تأملت طويلاً باحثةً عن معنىً للمستقبل، سألت صديقتاي في طريقنا للمكتبة قبل يومين "هل عندك شيء تبغينه بس ما حصلتي عليه للآن؟" وردني هذا السؤال على (القط الفضولي) منذ أيام.. ولم أستطع وقتها الإجابة.. فقلت لعلي أعثر على ما منعني عن الإجابة في عقليهما، قالت لي الأولى "شيء مادي؟ ما عندي وأحس عادي ما يكون عندي حاجة لشيء مادي، بس شيء معنوي أكيد عندي" وافقتها الثانية بجواري.. وقفت عندها لأفكر.. "مادي؟ معنوي؟" لماذا لم انتبه لهذه التصنيفات؟ لطالما أغفلتها..
البارحة فتحت ملفاً قديماً لي.. وجدت قائمة طويلة لأشياء أود فعلها في المستقبل.. كانت القائمة مليئة بالأعمال المعنوية.. التي لن تحتاج شيئاً مادياً لحدوثها..
وبما أنني أتحدث عن المستقبل في هذه المقالة، فأول ما خطر في بالي عند تحديد الوضوع.. وربما في بال كل مرء يُعد للمستقبل أو بداية السنة الجديدة هي "قائمة الأهداف"..
أذكر أنني كتبت واحدة بداية السنة القبل الماضية، وكتبت واحدة بداية إحدى الإجازات الصيفية، عدت لها الآن.. انقسمت أهدافي لقسمين.. علمية وتعود علي بالنفع المعنوي الإدراكي، ومعنوية محضة.. كالتخلص من عادة أو صفة سيئة، احتوت القائمة على أعمال مادية طبعاً، كصنع كعكة أو تعلم طبخة، أو تجربة صنع عمل يدوي..
أظنني عرفت الآن لماذا يلهث.. بل نلهث كلنا سعياً للكمال المادي، الخطط السنوية كلها مادية، وقد تحتوي على شيء من الخطط العلمية لكيلا نظلم أنفسنا..
أظن الأمر هنا عائدٌ لصعوبة تحقيق الهدف المعنوي، بمقابل سهولة تحقيق الهدف المادي، هؤلاء هم ذاتهم الأشخاص الذين يشترون سعادتهم بالمادة، هم ذاتهم التعساء في أفخم الفنادق، هم ذاتهم النائمون على وسائد من ريش النعام المتيبسة من دموعهم، هم ذاتهم العطشى للحياة.. هؤلاء من امتلكوا الحياة صورةً لا مضموناً..
المستقبل هو السنة الجديدة، المستقبل هو اليوم والغد وبعد غد، المستقبل هي يدك، عقلك، المستقبل هو حصاد بذر البارحة، المستقبل هو أنت..
دائماً ما يوجه إلينا هذا السؤال في دورات تطوير الذات، تحديد التخصص، تنمية موهبة ما.. دائماً وعلى كل حال يُطرح هذا السؤال..
"كيف ترى نفسك بعد خمس سنوات؟"
وقد يزيد بُعد الرؤية وقد ينقص.. لكنه ذات مقصد السؤال.. السؤال الذي يدفعك لتلقُف سؤال آخر تهمس به المدربة لتحيي فيك الرغبة في التنقيب عن نفسك أكثر "من أنا؟"، لترمي بواحدٍ آخر فتقول "ماذا أنجزتي في حياتك هذه؟"، سؤالٌ بتركيب جملة مستهتر انتقاصي.. "حياتك هذه" ما يحفزك لإمضاء اليوم بطوله تبحث عن نفسك، وهذه هي الغاية!
فمن لا يعرف نفسه.. لا يعرف يومه.. لا يعرف غده، جاهلٌ وإن تعالم عن مستقبله، خططه ستبوء بالفشل وآماله لا شك متهاويه.. لا شيء سينجح كما يشتهي، فهو لا يعرف نفسه!
أظن أن بداية الحياة الحقيقية.. أو على أقل حقيقة وتمثل وصف "ولادتك الثانية" هي تلك اللحظة التي تدرك فيها ذاتك وأبعادها، تدرك فيها تحركاتك ومقاصدها، تفهم تماماً شعورك ولم فعلت كذا ولما لن تفعل كذا، تلك اللحظة التي توقع فيها عقد الصلح المنتظر مع نفسك.. "تقدر تسمي حياتك بعدها بالحياة الوردية :)"
لا أظنني تحدثت عن محور حديثي بتركيزٍ هنا.. لكنه حديثٌ جال في صدري منذ أيام.. فوددت لو شاركتكم..
شكراً لقرائتك يا مستقبل الأيام..
طاب يومك..
لبنى الثقيل
29 ذو الحجة 1440
30 اوغست 2019
6:38 م
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفجميل جدا
ردحذف