وادي السكون التخطي إلى المحتوى الرئيسي

وادي السكون




في بلدة ما.. في وادي من أودية منطقة ساحلية بعيدة عُرفت هنالك عائلةٌ باسم عائلة السكون؛ إذ أن العائلة جلُّها من الصمّ، أصمٌّ يلدُ أصماً، شعرت العائلة بالنبذ والوحدة بين العوائل الأخرى، إذ كان الجميع لا يجدون طريقةً يتواصلون بها معهم، بل كانوا يتحاشون البيع والشراء معهم إذ لا يفهمونهم ولا يجدون حاجةً لذلك. شعرت عائلة السكون بأن الوقت قد حان لينتقلوا لمنطقةٍ أخرى ليعشيوا فيها وحدهم بدون أي ضغط أو شعور بالضعف والنقص. لاحقاً عُرفت منطقتهم الجديدة باسم قرية السكون.


وفي إحدى الأيام الصيفية.. أحدُ أولادهم صعد لجبلٍ قريب ليستكشف المنطقة لكنه تعثر وسقط على رأسه وأصيب. مكث طريح الفراش لأيام، وبعد أن استيقظ وجد نفسه يسمع!

سمع صوت الأقدام في الغرفة المجاورة، وصوت الأطباق في المطبخ، سمع صوت الأطفال يصيحون في أقصى البيت!

قفز من مكانه وأخذ يضرب رأسه بيده قلقاً وخوفاً من هذه الأصوات غير المفهومة بالنسبة له!

لم يكن يعرف ماذا تعني كل هذه الضجة، وليس يفهم كيف صارت تدخل لرأسه فجأة بعد أن استيقظ!

رويداً رويداً أخذ يعتادها ويتحمس لاستكشاف أصواتٍ متخلفة فأمضى فترةً يركض لكل مكان ويتعرف على الأصوات الجديدة ويحفظها، كصوت جدول الماء، صوت قرع الصحون، صوت نبضات القلب، أصوات الحيوانات، تغريد البلابل والطيور، صرصور الليل في الغابة القريبة، وضحكة المرح الصادحة من ساحة اللعب في القرية.

حاول إقناع أحد أصدقائه بأن يصعد للجبل ويسقط كما فعل هو؛ لعل ما حدث له يتكرر مع صديقه!

لكن للأسف.. وقع صديقه ونزف رأسه وأصيب بكسور خطيرة، فانتهى الأمر بموته بعد أيام متأثراً بجراحه، فجلس الفتى السامع أياماً كئيباً لفقد صاحبه.

وبعد فترة قصيرة تعافى؛ فالدوبامين يُضَّخُ بكثافةٍ في جسده، طمعاً بمغامرةٍ أخرى تتلذذ فيها أذنه باكتشاف الأصوات وسماعها وتعلُّم تمييزها وتحديد مصدرها. تعلَّم النغم، وصار يغني بضرب الأخشاب بالأحجار الكبيرة لتخرج نغماً متناسق.

بعد أشهر من كل تلك المتعة الكبيرة عليه، لم يتمكن من أن يحتمل سماع كل ذلك بينما لا أحد ليشاركه المتعة، ولا أحد يتفهم انزعاجه من القرع القوي والصياح العالي، ولا هلعه من صوت الرعد، ولا كيف ينتبه قبلهم لهطول المطر..

بعدها بأشهر ذبل.. ومات.

فلم يكن أحد يرد الصوت أو يسمعُه، وأقصى ما يمنحونه له همهمات غير مفهومة، وعندما يبتهج من سماعٍ صوتٍ جديد تقابله من الجميع نظرات قلق وارتياب تجاه تصرفاته وحركاته، فقد كانوا قلقين مِن هذا المخلوق السامع المختلف!

تعليقات