سخي الروح التخطي إلى المحتوى الرئيسي

سخي الروح





وكان دائماً يأخذ الحياة على محمل الجد والكبد الشديد، ولا يرى إلا أصعب الطرق وأطولها، ولا يتأفف ولا يشتكي من ذلك، لأنه كان يعلم في قرارة نفسه أن لا شيء ألذ من بلوغ الغاية بعد أن أخذ ذلك السعي شيئاً ثميناً منه، كان يؤمن إيماناً شديداً بالأخذ والعطاء.

وكان يحب الصحراء؛ كأن يرى أهله في التراب المتراكم على مد البصر، يمضي الليالي في الفيافي مستأنساً بأمواج الرمال هادئةً نفسه بينها، مرتقباً أيام الإجازات -طويلها وقصيرها- ليهرب بأخف ما يمكن من صخب المدينة إليها.


بعد أن أوسع الله له في رزقه وأكرمه بوفرة المال والبنين؛ ضرب الأرض في أحب بقعة لنفسه في تلك الصحاري واسماها "فضاي"؛ فقد كان يراها عالماً لوحدها، كأنما كان باب "فضاه" باباً لعالمٍ موازي؛ فمذ أن تلوح جدران "فضاه" تنفرج أساريره وتختفي نصف تجاعيده ويعود أبيض شعره أسوداً، ويبسم دونما حاجة، ويقفز دونما أن تثقل عظامه وأمراضه من حركته؛ كأن روحه التي تقفز من خفته.


وكان كريماً، فيعطي ضعف ما يأخذ، وقد يفوته كل شيء لأن نفسه استحت من أن تمد يدها تسأل عن حقها.


لذا عندما بلغ السبعين بهذه الروح الكريمة وسقط على فراش المرض كان أولاده يستحلفونه أن يطلب أمواله من الناس -أي الأموال التي أقرضهم إياها- لشدة حاجتهم للمال لكنه حتى آخر لحظةٍ من حياته كان يقول:


"إن استطاعوا ردوها، لكن لعل من بينهم معسر"


تعليقات